تعديل السلوك التربوي.
العديد من الأفراد الذين ينظرون إلى العقوبة أو العقاب (الإيجابي والسلبي على حد سواء) كطريقة تدريس وتعليم ضرورية. هذه النظرة في التربية تختلف من ثقافة إلى أخرى وكذلك من فرد إلى آخر ومن مجتمع الى آخر.
يعتبر السلوك المرفوض اجتماعياً أحد السلوكيات التي تدفع بالابتعاد عن الآخرين. والحد من قدرة الفرد على التفاعل والتعلم الاجتماعي. لذا يجب تعديل السلوك باعتماد فنيات معينة تهدف لخفض السلوك غير المرغوب فيه وإضعافه. منها العقاب.
مفهوم العقاب.
حيث عرّف أبو جادو (2020، ص176) العقوبه بأنها عملية ونشاطات سلوكية تعمل فيها المثيرات البيئية الناتجة بعد السلوك بتخفيض احتمالات حدوثه لاحقاً. ويسمى المثير الذي يضعف الفعل أو السلوك إذا حدث بعده بالمثير العقابي.
كما عرف الشيباني، عمر التومي (1979، ص458) العقوبة المدرسية بأنها الإجراءات الجزائية التي تنفذها المؤسسات التعليمية للحد من انحرافات طلابها عند مخالفتهم للأنظمة ولوائحها وأنظمتها، أو تقاليد المجتمع. وذلك بهدف إصلاحهم والعودة بهم للسلوكيات الصحيحة واحترام النظام، من أجل حفظ كيانها وزيادة كفاءاتها في تحقيق أهدافها.
وبمعنى آخر، يعرف العقاب بأنه تعريض الفرد لمثيرات مؤلمة ينتج عنها التوقف عن السلوك غير المرغوب فيه. أو التقليل من تكراره أو احتمال حدوث في المستقبل في مواقف مشابهة. إذ إن المرشد النفسي أو المعلم قد يجيد نفسه مضطرا لاستعمال العقاب. فبعض الطلبة أو المسترشدين يبدون سلوكيات غير مقبولة كالعنف والعدوان وضعف الانتباه... إلخ.
ومثل هذه السلوكيات ينبغي إضعافها أو تغييرها. أي أنه في حال وجد المرشد النفسي بأن الإجراءات الإيجابية ليست ذات تأثير في إضعاف السلوك غير المقبول اجتماعياً. عليه اتخاذ إجراءات تكون ذات فاعلية مع السلوكيات غير المرغوب فيها ومن هذه الإجراءات العقاب. (جلال، 2014، ص 40).
وبشكل عام يمكن تعريف العقاب بأنه "أي إجراء يساهم في تقليل احتمال حدوث السلوك مستقبلاً وفي مواقف مماثلة".
أنواع العقاب في تعديل السلوك.
وبما أن سيئات العقاب متعددة فإن المبدأ الأساسي في تعديل وتقويم السلوك للحصول على التربية الإيجابية هو إكثار عمليات الثواب والتقليل من عمليات العقاب. وللعقاب نوعين هما: (أبو هلال، 1993، ص67).
العقاب الإيجابي.
يتمثل هذا النوع في إتباع السلوك غير المرغوب فيه بإجراء مثير ومؤلم ومزعج. بهدف إضعاف قوة هذا السلوك أو احتمالية تكرار هذا الفعل أو السلوك مرة أخرى. ويسمى هذا الإجراء باسم عقاب التقديم لأنه يتم فيه تقديم مثير غير مرغوب فيه.
مثال👈 مخالفة قانون السير كالشخص الذي تجاوز الإشارة الحمراء وعبر الشارع بالوقت الخطأ، يتم معاقبته بغرامة مالية، كونه شكل خطراً على نفسه وعلى الآخرين.
العقاب السلبي.
يسمى هذا النوع بعقاب الإزالة إذ يتم بواسطته إزالة معزز أو حدث سار مرغوب فيه كنتيجة لقيام الشخص بسلوك غير مرغوب فيه. ونهدف من خلال هذا الإجراء إلى تحليل احتمالية ظهور هذا السلوك أو التوقف عن القيام به. ويعد الإقصاء والحرمان من الأساليب التربوية الرئيسية التي يقوم عليها هذا الإجراء (بالقائد، 2015، ص52).
مثال👈 كما المثال السابق، الذي تجاوز إشارة المرور، وتسبب بحادث، استحق العقاب بالغرامة المالية ويمكن سحب رخصة القيادة في حال كانت الحادثة مكررة في المخالفات المرورية من سابق.
ما هي وجهات نظرك في استخدام العقاب من أجل الحد من السلوكيات غير المرغوب فيها؟
برأيي إن العقاب المباشر يجعل الفرد يقرن الفعل والسلوك غير المرغوب به بالعقاب. مع التأكيد له أن مثل هذه السلوكيات لن يحتمل قبولها مرة أخرى. وبالتالي فإن رفض ومعاقبة السلوك منذ وقوع السلوك السيء. ذو فعالية أكبر من الانتظار إلى أن ينتهي الفرد من تأديته.
فضلاً عن ذلك فإن نتائج العقاب لا تقتصر على التخلص من المشكلات التي يسببها السلوك غير المحبّذ. بل تتعدى الى المساعدة في اكتساب السلوكيات المقبولة. فعندما تقتضي الفعل أو المشكلة السلوكية اللجوء إلى عملية العقاب ينبغي عدم استخدام الوسائل الشديدة من العقاب. بل اتخاذ وسائل بديلة كإجراء عقابي يحد من تكرار حدوث السلوك غير المرغوب فيه.
إذ إن العقاب لا يؤدي إلى تعلم سلوك جديد مرغوب فيه. وإنما يضعف السلوك غير المرغوب فيه والحد منه ما بعد حدوثه مؤقتاً. وعلى الرغم من أن العقاب هو إجراء تكون نتائجه سريعة في الحد من حدوث السلوك المرفوض اجتماعياً. لكن هذا الإجراء لا يستمر على المدى الطويل وإنما وقتی موقفي (الفسفوس، 2006).
لذا يرفض العقاب كإجراء هدفه تعديل السلوك غير المرغوب فيه. إذ أشار سكنر بأن العقاب لا ينجح في تغيير السلوك وتعديله. ويجب تعديل تلك السلوكيات بالتعزيز لتشكيل استجابات سلوكية مقبولة. بهدف إكساب الفرد سلوكيات جديدة إيجابية ومحو السلوكيات السلبية وإعادة التعلم من جديد (حسين، 2008، ص74).
بالتالي يجب أن يكون استخدام العقاب بشكل مدروس سواء من ناحية التربية أو السلوك. وذلك عبر أن يكون موّجه للسلوك غير الصحي. وأن يفهم المعاقب أن العقوبة لأنه أخطأ أي أنه للسلوك وليس لذاته أو أن يصله شعور بأنه مُهان. لذلك يجب وضع خطة سلوكية تعتمد على تحديد السلوكيات التي تحتاج إلى تعديل مع تبيان شدّتها وتكرارها. والبدء بإجراءات عقاب بسيطة كالتجاهل والملاحظات والحرمان وصولاً إلى زيادة وتيرة العقاب بحيث ينطفئ السلوك المقصود.
اقرأ أيضاً السلوك الإنساني-علم النفس وشرح السلوك البشري.في أي المواقف يمكن أن استخدام العقاب بها. وفي أي المواقف ينبغي منعها؟
العقاب في تربية الأطفال يكون إيجابياُ بتعريض الطفل لمثيرات منفرة تقلل من السلوك غير المرغوب. أما استخدام الضرب والتوبيخ فهو أسلوب يمنع استخدامه. وقد يكون العقاب سلبياً باستبعاد الأشياء السارة وحرمان الفرد منها عند صدور السلوك غير المرغوب. كحرمان طالب قام بسلوك غير مرغوب والذي يرغب بممارسة الرياضة. بحرمانه من حصة التربيه الرياضية في ذلك اليوم الذي أصدر فيه هذا السلوك المرفوض (العامري، 2018، ص18-19).
وقد تبين أن العقاب البدني والتوبيخ يقلل من السلوك غير المرغوب بسرعة. أكثر من الأساليب الأخرى. ولكنه يؤدي لتوقف مؤقت لهذه السلوكيات المعاقب عليها. ولكن بعد إيقاف العقاب سوف يظهر السلوك المرفوض وغير المرغوب مرة أخرى. كما أنه لا يدفع بتعلم سلوك جديد مرغوب فيه. لذا من غير المحبّذ استخدام العقاب النفسي لأنها تخلق حواجز نفسية بين الطرفين.
ومما سبق سرده عن العقاب وبيان أنواعه وأساليبه فمن وجهة نظري بأن العقاب وجد للعمل على الحد من إزالة بعض السلوكيات الغير مرغوب فيها لذا فهو أمر ضروري بشرط أن تكون العقوبات المفروضة أو المتبعة موضوعة بطرق علمية ودقيقة ومتوازنة مع مراعاة أن تكون هذه الطرق لا تخالف الجوانب الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للمجتمع وتراعي الحقوق وتحفظ الكرامة للإنسان.
ومن جهة أخرى حول المواقف التي يمكن أن يستخدم فيها العقاب أو لا يتم استخدامه مع الأمثلة فإنني أرى بأن استخدام العقاب في المواقف التي تتعلق بالجرائم الخطيرة مثل التهريب – العصابات – الأعمال الإجرامية – الاختطاف – القتل – السرقة فهذه أمثلة ومواقف تتطلب إقامة وتطبيق العقاب عليها وبما يتناسب مع حجم الضرر. بينما على الطرف الآخر أرى بأنه يجب منع استخدام العقاب في المواقف التي ليس لها ضرر سواء مباشر أو غير مباشر على المجتمع بشكل عام، أو تلك المواقف التي تكون مبنية على آراء ويتم التهديد فيها الأشخاص.
في الختام يكون العقاب فعالاً عند اعتماد عدة عوامل: تكرار العقوبه. وفورية العقوبة. والتعزيز الإيجابي للسلوك الإيجابي أو الجيد. وتشمل هذه الآثار التجنب. وعزل المعاقب. وإعادة تنفيذ العقوبة في المعاقب.
المراجع.
- أبو جادو، صالح محمد علي. (2020). سيكولوجية التنشئة الاجتماعية. ط 14. دار المسيرة للنشر والتوزيع. عمان. الأردن.
- أبو هلال، أحمد. (1993). المرجع في مبادئ التربية. ط ١. دار الشروق للنشر والتوزيع. بيروت. لبنان.
- الشيباني، عمر التومي. (1979). من أسس التربية الإسلامية. المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان. طرابلس.
- العامري، ماهر محمد عواد. (2018). تعديل السلوك. أطروحة دكتوراه. كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة. الجامعة المستنصرية. بغداد. العراق.
- بالقائد، منيرة الغضبان. (2015). أسلوب العقاب المدرسي وانعكاساته على سلوك التلاميذ كما يدركها معلمو ومعلمات الصف السابع (الشق الثاني) من مرحلة التعليم الأساسي بمدينة الزاوية. العدد الثالث. مجلة كليات التربية. جامعة الزاوية. ليبيا.
- الفسفوس، عدنان احمد. (2006). أساليب تعديل السلوك الإنساني. السلسلة الإرشادية. فلسطين.
- جلال، بهاء الدين (2014). مهارات وفنيات تعديل السلوك. جمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي. القاهرة.
- حسين، طه عبد العظيم. (2008). استراتيجيات تعديل السلوك للعاديين وذوي الاحتياجات الخاصة. دار الجامعة الجديدة للنشر. الإسكندرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق