العولمة الثقافية وتدمير الثقافات العربية والإسلامية.
تعرَّضت الثقافة منذ ظهور الكتاب وأماكن وجوده إلى كافة أشكال التخريب من حرق وتدمير. منذ بداية كتابته على قطع الرق المصنوع من الجلود. وعلى أوراق البردي في مصر خلال القرن الثالث قبل الميلاد. ثم في بداية كتابته على الورق أو القرطاس كما ظهر في العراق خلال نهاية القرن الثامن الميلادي.
قد قام المغول بتدمير مكتبة بغداد وإلقاء الكتب في نهر دجلة. وبذلك تم تدمير جزء كبير من الثقافة والعلم في العراق.
العولمة الثقافية.
إن العولمة الثقافية ظاهرة قديمة منذ الأزل. والثقافات تتناقل كافة متطلبات الحياة عبر التقاليد والعادات، ولكل مجتمع ثقافته الخاصة به، تتغذى من خلال الوسط المحيط بها (فارنيي، 2003، ص11).
وتتطور مع تطور هذا الوسط. حيث ترافق الإنسان في مختلف مراحل حياته. لذلك يمكن القول إن تطور الثقافة ساهم في تجرير الفرد من عبودية البيئة. من خلال تنظيم حياته مع الطبيعة.
وير ى يوسف المراشدة إن العولمة هي جوهر الرأسمالية الغربية المنادية للتحرر تبعاً لنموذج فكري غربي سياسي رأسمالي يسود كامل دول العالم وبالأخص الدول العربية والإسلامية (حاج أحمد، 2012، ص7).
متى تم حرق مكتبة الاسكندرية؟
إن أول المكتبات التي تم تدميرها وحرقها بكتبها وكل مكوناتها هي نفسها أول المكتبات التي تم تأسيسها في العالم. وهي مكتبة الإسكندرية. حيث تأسست في عام 288 قبل الميلاد. استمرت في تقديم خدماتها على مدى قرنين من الزمن.
وتم حرقها عام 48 ق.م على يد يوليوس قيصر الذي أحرق (101) سفينة كان ترسو على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الاسكندرية. وامتدت النيران للمكتبة وأحرقتها بالكامل (سرحان،2018).
من الذي ألقى الكتب في نهر دجلة؟
لكن الخسارة الكبرى في تدمير وحرق المكتبات تمثلت عند اجتياح المغول لمدينة بغداد. حيث قاموا بإلقاء جميع ما تحويه مكتبة بيت الحكمة في نهر دجلة. حيث كانت تضم في ذلك الوقت حوالي مليون كتاب. فضلاً عن تدمير 36 مكتبة عامة متواجدة في بغداد أيضاً. وبذلك يكون قد تم تدمير الجزء الأكبر من الثقافة العراقية (سرحان،2018).
قصة حرق مكتبة بغداد؟
لقد بنى العرب الكثير من الحضارات الشامخة في معظم البلاد التي فتحوها كالحضارة العباسية والأندلسية والفاطمية. إلا أن هذه الحضارات اختفت بمجرد تدمير وحرق الكتب والمكتبات ومضايقة الأدباء والمفكرين. وكان لذلك أسباب عديدة منها الحقد والتعصب الأعمى. والخوف من اقتناء بعض الكتب وخصوصاً كتب الفلسفة باعتبارها محرمة.
هذا التدمير أدى لضياع ما يقارب ملايين الكتب. والتي هي ثمرة جهود رجال العلم من مختلف الاختصاصات منها الطب والفكر والأدب والفقه والفلسفة على مر العصور.
كل ذلك أدى إلى ضياع الكثير من التراث الفكري للأمة العربية وخاصة الثقافي منها. حيث شعر المغول بالفارق الحضاري الهائل بينهم وبين العرب. فالتتار لا حضارة لهم. بل هم جماعات نشأت في صحراء شمال الصين معتمدة على شريعة الغاب.
حيث اتجهت جماعات منهم إلى تدمير مكتبة بغداد العظيمة. والتي تعتبر في ذلك الوقت أعظم مكتبة على وجه الأرض. حيث كانت تضم ثمرة وعصارة الفكر العربي الاسلامي فيما يزيد عن (600) عام. جمعت فيها مختلف أشكال الآداب والعلوم. فضلاً عن ملايين الأبيات الشعرية. وعشرات الآلاف من القصص المترجمة لمعظم العلوم الأجنبية.
فقام المغول بحمل هذه الكتب الثمينة. وألقوها ببساطة في نهر دجلة حتى أصبح لون مياه نهر دجلة باللون الأسود بسبب حبر ومداد الكتب.
ماذا نستنتج من إحراق المغول للمكتبات العلمية؟
ساهم هذا التدمير والحرق في سيطرة العولمة على مختلف ثقافات شعوب البلاد العربية. لأنه وبحرق هذه الكتب انهارت وطمست ركيزة مهمة من ركائز الثقافة العربية. وبالتالي منعها من الانتشار والهيمنة مما سمح لثقافات بعض الشعوب الأخرى بالدخول إلى هذه البلدان تحت مسمى العولمة الثقافية (المدونين العرب، 2021).
كما أن ما فعله المستعمرون الأوروبيون الذين احتلوا بلاد العالم الإسلامي خلال القرن التاسع من سرقة أهم الكتب والمؤلفات العربية الإسلامية دون حرقها. ساهم في تأسيس عولمة ثقافية لهم كان أساسها الثقافة العربية ومؤلفاتها، بل تفوقت على الثقافة العربية (المدونين العرب، 2021).
كيف تقارن ذلك بالعولمة الثقافية؟
فقد أصبحت العولمة تسيطر على الفكر البشري. وتسعى لفرض ثقافة عالمية واحدة تسيطر على العالم. وتقضي على الثقافات الوطنية. ويساعدها على ذلك وسائل الإعلام والتكنولوجية والبرمجيات والاتصال العابر للأزمنة. مما يدعم مرتكزات حضارة عالمية واحدة. تحمل طابع العولمة الثقافية.
بحيث تخضع لمخطط كوني موحد للحداثة. مع تمحور أنظمة العيش في أرجائها حول أسلوب ومحاكاة النموذج الغربي في مختلف مجالات الحياة. كونه يمثل الثقافة الأكثر تقدماً. وبالتالي الثقافة التي تصلح للجميع. لذا نجد أن الجهود المبذولة جميعها لإلحاق البشرية بركب حضارة معينة بذاتها. ويسميها بعض المفكرين ب" العنصرية الثقافية المتغطرسة" (ناضر، 2014، ص18).
وقد سماها بعض المفكرين " اختراقاً " حيث قالوا إن العولمة تمثل نفي الآخر. مع إحلال الاختراق الثقافي. والهيمنة. فضلاً عن فرض نمط واحد للاستهلاك. بمعنى آخر فرض النموذج الثقافي. وبالتالي نجد أن العولمة هي غزو ثقافي يستهدف الدين والقيم والعلم والفكر والهوية (القاسم، 2020).
هل تدمير الثقافات أصبح أسهل أم أصعب في عصر العولمة؟
مما سبق وبمقارنة بسيطة نجد أن العولمة الثقافية في العصر الحالي تشبه إلى حد ما حرق مكتبات بغداد وغيرها من المكتبات العظيمة.
وبالتالي في عصر العولمة أصبح تدمير الثقافات أسهل. من خلال دخول العولمة إلى فكر كل فرد في أي مجتمع وفي كل لحظة، فيكوّن قناعاته بما يتثقف به عن طريق وسائل التكنولوجية والاتصال والإنترنت. والتي تتوافر في كل منزل. فأصبح الحرق والتدمير للثقافات نقطياً مركّزاً في دماغ كل فرد.
في الختام👈 إن للعولمة أثراً على ثقافات الشعوب. ولا بد من العمل على مواجهة هذا الغزو الثقافي لقوى العولمة. ليس بالانغلاق على الذات. بل بتحقيق التجديد الثقافي في داخل فكر كل شخصية ثقافية عربية. والدخول إلى عصر التكنولوجيا كمشاركين وليس كمستهلكين.
المراجع.
- حاج حمد، ديانا أيمن راشد. (2012). أثر العولمة الثقافية على مواطني الضفة الغربية. رسالة ماجستير في التخطيط والتنمية السياسية. كلية الدراسات العليا. جامعة النجاح الوطنية. نابلس. فلسطين.
- القاسم، خالد بن عبد الله. (2020). العولمة الثقافية وأثرها على الهوية. ملتقى الباحثين السياسيين العرب APRF. متاح على الرابط https://arabprf.com/?p=3136.
- سرحان، منصور محمد. (2018). كوارث حرق الكتب وتدمير المكتبات عبر العصور. أخبار الخليج. متاح على الرابط http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1139503.
- المدونين العرب. (2021). المغول وتدميرهم مكتبة بغداد. موقع magLLAMKO. متاح على الرابط https://2u.pw/rXxfM7.
- فاربيي، جان بيير. (2003). عولمة الثقافة. ترجمة عبد الجليل الأزدي. ط1. مج1. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.
- ناضر، زاهي. (2014). العولمة والخصوصية الثقافية. العدد 24. السنة السابعة. المنامة. البحرين: مجلة الثقافة الشعبية. ملف PDF. متاح على الرابط https://www.folkculturebh.org/upload/issues/issue24.pdf.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق