القلق والاكتئاب والضغط النفسي وأثره على النفس.
نعيش في عصر يتسم بالتناقضات والاضطرابات الانفعالية، مما جعلنا كبشر أكثر عرضة للمشكلات النفسية والاضطرابات العصبية وخاصة في عالمنا العربي، وفي بلدنا العربية كالعراق و سوريا التي عانت باضطراب القلق العام منذ اثني عشر عاماً حروب وأوبئة وأوضاع اقتصادية مضطربة.
كل ذلك جعلنا نعيش حالات القلق والتوتر والاكتئاب، مما جعل الكثير من المفكرين يطلقون على هذا العصر اسم عصر القلق. انطلاقاً مما له دور وأثر في أداء الإنسان وصحته النفسية وكفاءته الاجتماعية. فالقلق هو أحد الخصائص المصاحبة للاضطرابات النفسية (زهران، 1997، ص39).
وعلى الرغم من تشابه معظم الأفراد بالخصائص العقلية والجسمية والانفعالية. إلا أن التفاعل بين هذه السمات والخصائص لا تكون بنفس الأسلوب لديهم. مما يخلق نمطاً فريداً من الشخصية لكل فرد سواء في سلوكه أو مكوناته النفسية (عبد الرحمن، 1998، ص27).
اضطراب القلق العام.
تعريف1.
هو شعور غامض مزعج يرتبط بالتنبؤ والخوف والتوتر يرافقه بعض الإحساسات الجسمية. يأتي القلق بنوبات متكررة عند نفس الفرد (فهمي، 1967، ص70).
تعريف2.
هو إدراك الشخص لوجود خطر أو تهديد لقيمة من القيم الرئيسية لوجوده. أو هو فقدان احترام الأشخاص المهمين والقريبين (الفوال، 2006، ص16).
تعريف3.
هو مصطلح شامل لاضطرابات عقلية وسلوكية وجسدية. تحدث بصورة آلية من خلال مواقف محددة تكون غير معروفة من قبل الإنسان. مع العلم أنه مفهوم غامض لا يستطيع الإنسان أن يشعر به. حيث يرتبط بمشاعر غير مريحة، وغير معروفة السبب.
وينتج عنها أعراض نفسية وجسدية. منها نوبات الهلع أوتسرع ضربات القلب أو الصداع، أو ضيق التنفس. وجميعها بسبب نشاط في الجهاز العصبي اللاإرادي بشكل نوبات متكررة (ياسين، 2015، ص29).
تعريف4.
ويعتبر القاسم المشترك في معظم الاضطرابات العقلية والمشاكل السلوكية كالخوف والاكتئاب. فهو استجابة طبيعية للشخص نحو مواقف معينة. وإحدى وسائل الدفاع عن النفس من أجل المحافظة على البقاء.
ولمواجهة التهديدات والمخاطر. وبذلك يلعب دوراً إيجابياً في حياة الإنسان. ولكنه قد يتملكه عند تجاوزه للحدود الطبيعية. فيصبح مصدراً للإزعاج والتوتر(مخائيل،2003،ص14 ).
مسببات القلق والاكتئاب.
- ينتج القلق والاكتئاب – تبعاً لبعض الباحثين – عن علاقات داخلية مضطربة كنوبات الهلع. التي حصلت له في مرحلة الطفولة، وخاصة عندما يسلك الوالدان طرائق مرضية للتعبير عن حبهم الكبير لطفلهم كالتسلط. والحماية الزائدة. كل ذلك يسبب للطفل الشعور بعدم الأمان. وبالتالي ازدياد شعوره بالخوف، تبعاً للتصرف الخاطئ المتبع من والديه تجاهه (عبد الرحمن، 1998، ص200).
- العديد من الأشخاص ممن يحترفون رياضيات صعبة كسباق السيارات وغيرها. يتملكهم شعور قلق عندما يتهددهم مواقف تعرضهم للخطر أو الأذى الجسدي. فضلاً عن تصور بعض الأشخاص لإمكانية إصابتهم ببعض الأمراض.
- ضعف الثقة بالنفس عند خوض التجارب، أو المواقف الجديدة تسبب لنا اضطراب قلق عام. كما إن تناقص الجوانب الإدراكية والمعرفية تكون مصدراً للقلق وعدم الارتياح. فالشخص الكريم يتعرض لصدمة نفسية عند اضطراره لموقف يشعره انه متسول.
- أيضاً هناك عوامل وراثية، استعداد نفسي للقلق والإحباط، التوتر النفسي الشديد، الصدمات النفسية، المخاوف في الطفولة المبكرة، الضغوطات النفسية المكبوتة داخلياً (ياسين، 2015، ص30-32).
اثر السعادة على القلق و اليأس والاكتئاب.
السعادة.
تعريف1.
هي انعكاس لدرجة القبول والرضا عن الحياة. فهي انعكاس لمعدلات تكرار الانفعالات السارة وشدة تلك الانفعالات. وعناصر السعادة هي البهجة والاستمتاع بالحياة. الرضا عن الحياة ومجالاتها المختلفة. العناء وما ينتج عنه من قلق واكتءاب. فضلاً عن الصحة العامة (القدور وأبو هاشم، 2012، ص13).
بمعنى آخر هي سمة من سمات الشخصية للفرد، يتميز أفرادها في معظم أوقاتهم بالنشاط الخارجي أو الداخلي والراحة النفسية والحيوية. ولديهم قدرة للاستمتاع بأوقاتهم بطرق خاصة. ويملكون مشاعر الحب والصداقة. ولديهم نظرة إيجابية للحياة وتكون علاقاتهم في الغالب ناجحة (سالم، 2001، ص49).
علم النفس الإيجابي والسعادة في مواجهة القلق واليأس والاكتئاب.
يرى سيد أحمد وكيل (2010، ص122) أن علم النفس الإيجابي يسلط الضوء على إن الإنسان وما يحمله من قوة وضعف هما ما يحددان حياته. فضلاً عن أن الخبرات التي تمر في حياته تساهم في تشكيل شخصيته. ويمكن تعديل بعض هذه الخبرات. ولا يمكن تعديل بعضها الآخر. لذلك فإن علم النفس الإيجابي يعمل على إثراء الخبرات والقوى القابلة للتعديل من أجل المساهمة في تحقيق السعاده، وتحقيق توافق نفسي اجتماعي.
ويمكن تفعيل علم النفس الإيجابي من خلال ممارسة المواقف الإيجابية كالتفاؤل والثقة بالنفس والأمل من خلال تطوير المهارات التي تنمي الشخصية. بالإضافة للابتعاد عن التوتر والأشخاص السلبيين. من خلال إقامة علاقات شخصية يملؤها التسامح والحكمة والانفتاح على المستقبل. كل ذلك يخفف التوتر والقلق والاكتئاب ويتوافق مع الرضا والأمل والسعادة (الفنجري، 2008، ص35).
فالشخص المتفائل أكثر قدرة على التكيف مع مواقف الحياة الضاغطة. ولا يستسلم للقلق والمواقف الانهزامية. ويتميز بالثقة بالنفس التي تمنحه إحساس بالسعادة النفسية. والإصرار على المخاطرة لتحقيق الأهداف المنشودة (أكرم، 2017، ص10).
والجدير بالذكر أن التفاؤل هو سمة إيجابية بشرط ألا يتجاوز القدر الواقعي. من خلال الاستناد لمفاهيم وهمية. في هذه الحالة يصبح الفرد معرضاً للوقوع في حالة من الاكتئاب والإحباط. بسبب عدم تقبله الواقع والعيش في حياة كلها أوهام. فالتفاؤل غير الواقعي هو اعتقاد الشخص أنه بعيد عن الإصابة بالأخطار. وأن الأحداث الإيجابية تصيبه وحده دون غيره (فلاق، 2013، ص28).
يذكر أشرف محمد أحمد (2016، ص253) خصائص الأشخاص مرتفعي الثقة بالنفس. كالنضج الاجتماعي وقبول الواقع، القدرة على مواجهة المواقف الحياتية الضاغطة، العزيمة والإصرار.
كما تشير شيماء السيد (2018، ص317) لأهمية مفهوم الأمل في علم النفس الإيجابي وتأثيره على الصحة النفسية والجسمية للفرد. فهو نقطة إيجابية تستخدم في تنمية الموارد البشرية. ونقصه يؤدي للإصابة بالاكتئاب واليأس.وقد يصل بالفرد للانتحار بسبب عدم القدرة على التحمل والنظرة السلبية التشاؤمية للأحداث. لذا من الضروري زيارة دكتور صحة نفسية، من أجل علاج الصدمة النفسية التي تعرض لها.
والشخص المرتفع الأمل يتميز بالطموح والدافعية لتحقيق أحلامه من خلال رسم خطط ومسارات واضحة لأهدافه مع قبول التناقض والعقبات التي تعترض حياته. وعلاج مصادر القلق. فالتكيف مع البيئة الاجتماعية وإدراك الحالة المزاجية للآخرين وتقبل الآخر. والتصرف معه بلباقة هي بعض خصائص الذكاء الاجتماعي الضرورية للصحة النفسية. من خلال العمل على تنمية المهارات وبناء علاقات اجتماعية تستند للحب والمودة والتسامح. مما يؤثر في شخصية الفرد وتوازنه في المجتمع. وتقليل المشكلات السلوكية لديه من قلق واكتئاب ويأس (الجندي، 2022، ص559).
إن الخصائص السابقة من ثقة بالنفس وتفاؤل وأمل بالمستقبل. تساهم بشكل كبير في الإحساس بالسعادة والرضا بالواقع مع الانفتاح على المستقبل. كل ذلك يسهم في نزع اليأس والتوتر والاكتئاب من النفس البشرية. فالسعادة هي ميل نفسي بتحقيق الرغبات وتذوق الرفاهية. وتحقيق التوافق بين سلوك الشخص وحياته اليومية. فنحن نطلب أشياء لنشعر بالسعادة (أكرم، 2017، ص70).
اقرأ أيضاً التوتر النفسي - هل يمكن أن يكون التوتر إيجابياً؟
اقرأ أيضاً المرض النفسي - كيف ينظر المجتمع للمريض النفسي؟.
تتفق الدراسات السابقة في تأثير ودور السعادة في شخصية الفرد وإنجازه في المجتمع. والتي يمكن تحقيقها من خلال الثقة بالنفس والأمل والتفاؤل والانخراط في المجتمع وممارسة المهارات والأنشطة الاجتماعية التي تدعم الصحة النفسية والجسدية.
كل ذلك سوف يعمل على تخليص النفس من المشكلات السلوكية السلبية كالقلق والتوتر والاكتئاب واليأس من الحياة. بل على العكس سوف يبتعد الشخص السعيد عن مثيرات القلق والتوتر وعن الأشخاص السلبيين. كما أن الشخص الطموح والذي يضع رؤية وأهدافاً منظمة لمستقبله. ويبدأ بتحقيقها سوف تغمره السعادة والثقة بالنفس ويبتعد عن شيء اسمه القلق أو اليأس أو الاكتئاب.
والعكس صحيح فالأشخاص القلقين دوماً، لا يشعرون بالسعادة ولا بلذة ورفاهية الحياة. كما أنهم يبتعدون عن البيئة الاجتماعية المحيطة بهم. ويقفون عاجزين عن انجاز أي عمل يساهم في تطورهم، فيزيد لديهم التوتر. وانعدام الثقة بالنفس. وبالتالي قلق مرة ثانية واكتئاب ويأس من الحياة.
المراجع.
- أحمد، أشرف محمد. (2016). الثقة بالنفس وعلاقتها بتقدير الذات لدى طلاب المرحلة الثانوية بولاية الخرطوم، ع8. السودان: المجلة العلمية لجامعة الإمام المهدي.
- الجندي، خلود إبراهيم عبد العليم الشربيني. (2022). أثر برنامج ارشادي قام على فنيات علم النفس الإيجابي في تنمية الذكاء الاجتماعي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية، مجلة كلية التربية، جامعة المنصورة.
- السيد، شيماء. (2018). الأمل والتفاؤل محددان للصمود النفسي لعينة من طلبة الجامعة. ع 19. كلية التربية. جامعة عين شمس: مجلة البحث العلمي في التربية.
- القدور، سماح ممدوح وأبو هاشم، السيد محمد. (2012). صدق وثبات مقياس السعادة النفسية على عينة مصرية وسعودية وسورية من طلاب الجامعة. العدد57. جامعة الزقازيق. مصر: مجلة كلية التربية.
- الفنجري، حسن(2008): فاعلية استخدام بعض استراتيجيات علم النفس الإيجابي في التخفيف من قلق المستقبل. مج 18، ع58. كلية التربية النوعية. جامعة بنها: المجلة المصرية للدراسات النفسية،.
- زهران، حامد. (1997). الصحة النفسية والعلاج النفسي. القاهرة: مكتبة عالم الكتب.
- الفوال، محمد خير أحمد. (2006). ثقافة الخوف – بحث مقدم إلى مؤتمر فيلاديلفيا الدولي الحادي عشر. كلية التربية. جامعة دمشق. سوريا.
- سالم، سهير محمد. (2001). السعادة وعلاقتها ببعض المتغيرات النفسية – دراسة ارتقائية – ارتباطية – مقارنة. رسالة ماجستير. معهد الدراسات والبحوث التربوية. جامعة القاهرة.
- سيد أحمد الوكيل. (2010). فاعلية استخدام بعض فنيات علم النفس الإيجابي في تحسين مستوى التوافق النفسي لدى عينة من مرضى السكر. جامعة بور سعيد، مج4،ع7 . مصر: مجلة كلية التربية.
- عبد الرحمن، محمد السيد. (1998). نظريات الشخصية. دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع. القاهرة.
- فلاق، نبيلة. (2013). التفاؤل غير الواقعي وعلاقته بالسعادة النفسية لدى الطلبة. رسالة ماجستير في علم النفس. تخصص الإرشاد النفسي والصحة النفسية. جامعة الجزائر. الجزائر.
- فهمي، مصطفى. (1976). الصحة النفسية – دراسات في سيكيولوجية التكيف. القاهرة: مكتبة الخانكي.
- قدري، أكرم. (2017). دراسة إكلينيكية لمظاهر التفاؤل والتشاؤم لدى اضطراب الشخصية النرجسية، رسالة ماجستير. كلية العلوم الاجتماعية. قسم علم النفس، جامعة سعيدة، إسطنبول.
- مخائيل، امطانيوس (2003): دراسة لمقياس القلق بوصفه حالة وسمة على عينات من طلبة الجامعات السورية. م2، ع2. دمشق: مجلة جامعة دمشق.
- ياسين، سهى. (2015). الكفاءة السيكومترية لمقياس بيك للقلق على عينات من الأسوياء والمرضى النفسيين. رسالة ماجستير في القياس والتقويم التربوي والنفسي. كلية التربية. جامعة دمشق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق