مصادر المعرفة - الحقيقة والمعرفة والشك من وجهة نظر فلسفية

يعتبر البحث عن الحقيقة عند مختلف الفلاسفة هو الجزء الأكثر أهمية، وفي السابق لم أكن لأعرف أهمية الحقيقة وعلاقتها بالمعرفة. فكان تفكيري يربط الحقيقة بالصدق في فعل معين فحسب.

ومن خلال هذه المقالة تحولت نظرتنا نحو استنتاج أن البحث عن الحقيقة هو هدف كل المعارف. وليس المعرفة الفلسفية فقط.

هل توجد علاقة بين الحقيقة والواقع؟

🔍الحقيقة هي مفهوم فلسفي معقد. وله العديد من التعريفات. ولكن يمكن تعريفها بشكل عام. على أنها ما يتوافق مع الواقع. وقد تكون الحقيقة موضوعية أو ذاتية. وقد تتغير الحقيقة بمرور الوقت مع اكتشاف معلومات جديدة.

✅الواقع هو كل ما هو موجود، سواء كان ماديًا أو غير مادي. ويشمل كل شيء. بما في ذلك الحقيقة والوهم. وقد يكون الواقع موضوعيًا أو ذاتيًا. وقد يتغير الواقع بمرور الوقت مع تغير العالم.

أما الفرق الرئيسي بين الحقيقة والواقع 🔔هو أن الحقيقة وصف دقيق للواقع. بينما الواقع هو كل ما هو موجود، سواء كان دقيقًا أم لا.

ومن الأمثلة على ذلك يمكن ذكر:

• حقيقة: الأرض مستديرة.
• واقع: بعض الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة.

في هذا المثال، الحقيقة هي أن الأرض مستديرة. ومع ذلك، فإن الواقع هو أن بعض الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة.

هذا يعني أن الواقع يمكن أن يشمل أشياء غير حقيقية.

ويجب عدم الخلط بين لفظ الحقيقة ولفظ الواقع. حيث إن الواقع يخص أمراً معيناً. بينما الحقيقة تستند لحكم. فالمصباح هو واقع. بينما عندما نقول هذا المصباح مضيء فإن ذلك حكم صادق أو كاذب. مع العلم أن الصدق أو الكذب لا يرتبط بالحكم ذاته. وإنما يرتبط بقيمة الدعوى". (فرجيس ويسمان، 2020، ص130).

هل يوجد اختلافات كثيرة في مصادر وأنواع المعرفة بين الفلاسفة؟

لا يوجد اختلافات كثيرة في مصادر وأنواع المعرفة بين الفلاسفة. إلا في بعض المواضيع والاهتمامات بين الفلاسفة حسب الأزمنة والتيارات الفلسفية المختلفة. فجميع الفلاسفة يعتمدون على المنهج الفلسفي وهو التأمل العقلي.

مصدر المعرفة من وجهة نظر أفلاطون.

يقر أفلاطون بأن الحقيقة مطلقة، قائمة بذاتها. وإن العلم لا يقوم على المدركات المحسوسة. التي ترسلها الحواس إلى العقل. فهو عبارة عن المدركات العقلية التي يستخلصها العقل مما يصادفه في العالم المحيط من جزئيات مختلفة.

ولما كانت المُثل ثابتة لا تتغير أو تفنى فكانت هي مصدر المعرفة الحقيقية. بعكس العالم الحسي الذي يخضع لتغيرات مستمرة، وبالتالي لا يصلح ليكون مصدراً للعلم (أمين ومحمود، 1935، ص158-160).

قسم أفلاطون العالم إلى:

1. عالم المثل الحقيقي: وهو عالم الكمال المطلق الذي يتم الوصول إليه بواسطة العقل. والمعطيات فيه تكون يقينية. فيعتقد أفلاطون أن الحقيقة تنبع في عالم المثل الذي يتم إدراكه بالتأمل العقلي المجرد. واعتماد قوانينه ومبادئه المطلقة التي تترفع عن فكرة الزمان والمكان. بل من الضروري اكتشاف بعض الحقائق من قبل الإنسان. وبالتالي يرفض فكرة التشكيك بقدرة الإنسان على إمكانية اكتشاف المعارف. (الطلافيح، 2023).
2. العالم المحسوس: أو عالم الماديات، أو عالم الشر. وهو العالم الذي نعيشه والمعطيات فيه تكون نسبية غير يقينية، لأن المعلومات التي تمدنا بها الحواس لا تظهر الحقيقة. وبالتالي ينقسم وجود البشر لعالم العقل وعالم الجسد. وكل إنسان اتبع أهواءه غرق في عالم الشر. أما من اتبع العقل فإنه ارتفع لعالم المثل. (محمد المقدم، 2018، ص1127).

لذا يتوجب على الإنسان أن يحرر روحه من شهوات الجسد. والابتعاد عن عالم الشر. باتباع الإنسان لعقله والسمو بروحه إلى مجال المعرفة الحقيقية العقلية. فالمعرفة العقلية هي السبيل الأفضل للوصول إلى عالم الخير والمثل، (الأهواني، 1965، ص100).

حاول أفلاطون أن يوضح نظريته في المثل وما يحيط بها من غموض عبر " أسطورة الكهف ". فتخيل وجود أطفال موثقين بسلاسل في كهف. أديرت وجوههم باتجاه جدار الكهف ليبقى نظرهم نحو الأمام. فكانوا يشاهدون ظلال أشخاص ملقاة على هذا الجدار بعد تسليط ضوء نار عظيمة على جدران الكهف. ومع مرور الزمن اعتادوا هذه المعارف. 

لذلك فالكهف هو العالم المحسوس. والجهل والظلام المعرفي للأطفال هي المعرفه الحسية. بينما الموجودات الدائمة والحقيقية هي المُثل. فضوء الشمس يمثل ميدان المعرفه الحقيقية وهو أرفع المثل. (يوسف، 2020، تاريخ الفلسفة اليونانية – مذاهب أساتذة الإنسانية، ص108).

مصدر المعرفة من وجهة نظر كانط.

نقد كانط العقل من خلال نظرية المعرفة، باعتباره عاجزاً عن إثبات وجود الإله. وقد كان المنطق الذاتي أحد أقسام نقد العقل النظري عنده، وينقسم إلى تحليل وجدل. ومن التحليل يتم فحص المعاني التي تربط بين الظواهر واستنباط المقولات من خلال بيان القيمة الأولية لهذه المعاني.

كما عمل على تنظيم مقولاته على أساس صور الأحكام والتي تم تصنيفها لأربعة أقسام كمية وكيفية وإضافة وجهة. وأن المقولات المذكورة تصلح للاستخدام في مجالي الزمان والمكان. وإلا لا يمكن أن نحصل على المعرفة حول أمر خارج نطاقي المكان والزمان. (يوسف، 2020، تاريخ الفلسفة الحديثة من القرن الخامس عشر حتى بداية القرن العشرين. ص251).

ويتمحور نقد العقل النظري حول قدرة الإنسان للتعرف على الواقع. وأن العقل يمكنه فقط معرفة ظواهر الأشياء في العالم المحيط. ولا يمكنه الوصول للمعرفة الحقيقية لتلك الظواهر.

مصدر المعرفة من وجهة نظر ديكارت.

إن الشك لدى ديكارت هو البحث عن نقطة البداية التي يبدأ عندها الفيلسوف بالتفكير. فهو ليس نهاية حركة العقل الفلسفي. وليس بدايتها، ففي المرحلة الأولى يبدأ الشك وهو التأمل والاكتشاف الفلسفي. الذي يهدينا لنقطة البداية، فمن الشك نفسه تتولد حقيقة المعرفة التي لا سبيل للطعن في يقينها (يوسف، 2020، تاريخ الفلسفة الحديثة من القرن الخامس عشر حتى بداية القرن العشرين، ص78).

كما في لحظة اكتشافه لوجوده دون مقدمات. واعتبرها المبدأ الأول في فلسفته فقال: " ولما انتهيت إلى هذه الحقيقة أنا أفكر، إذن أنا موجود " (قصيبات، 2018، ص259).

يلعب العقل دوراً أساسياً في التوجه البحثي بهدف الإنتاج المعرفي. فكل معرفة يلزمها نظرية وتجربة. حيث نبدأ بالتساؤل. ثم يدور الحوار بين الذات والفكرة. وبين الذات وذاتها مروراً بالتجربة للبحث عن الإجابة (جمعة، 2020، ص35).

مصدر المعرفة من وجهة نظر التيارات الإصلاحية الإسلامية (محمد عبده والأفغاني).

يمكن أيضاً إلقاء الضوء هنا على تيارات الإصلاحية الإسلامية ونظرتهم لها. والتي من أهم مفكريها "محمد عبده" . حيث يقول في رسالة التوحيد مثلاً: إن الإسلام لا يمكنه مناقضة العلم، فهو يؤمن بأن عمل العقل ليس التكهن بل يتلخص في البحث بالمجال العلمي.

وبالرغم من أن العقل والوحي متناغمان. فإن المفكرين الذين حاولوا مطابقة البراهين الفلسفية والنص على وجود الله وجوهره تجاوزوا حد المعقول. فإن تكهناتهم لا يمكن البرهنة على صحتها. أما العلوم فيمكن التحقق من صحتها. لهذا، عندما يرى "محمد عبده" تناسقاً بين الوحي والعقل يعني بالعقل هنا العلوم.

والأفغاني كمحمد عبده، يجعل العلم المعيار النهائي ليس فقط عند غموض القرآن أو اختلاف الآراء فيه. بل عند مناقضة القرآن للعلوم. لأن القرآن يحتوي على مبادئ عامة. فلا يجوز معارضته للعلوم. أما إذا اعتبر أن هناك تناقضاً بينهما. فإن المنهج الذي يجب اتباعه هو التأويل كما جاء الأعمال الكاملة لمحمد عمارة.

فالخلاف الأساسي بين الأصوليين والإصلاحيين. هو أن الأصوليين يجعلون من الإسلام النظام الشامل المعلل الذي لا يحتاج إلى دليل منطقي. بينما يتقبل الإصلاحيون مبدأ التوصل إلى الحقيقة عن طريق البرهان. 

اقرأ أيضاً الحقيقة والمعرفة – ماذا قال الفلاسفة عن الحقيقة؟.

في الختام 👈 تلعب المعرفة دوراً كبيراً في تحسين وتطوير أساليب البحث العلمي بعدة طرق:

• توفير المعرفة اللازمة لتحسين أساليب البحث العلمي. وبالتالي يحقق الباحثون نتائج أكثر دقة.
• تحليل البيانات بشكل دقيق وفعال. وتحديد المتغيرات المهمة التي يجب مراعاتها في البحث.
• تحديد الأولويات بين الموضوعات الأكثر أهمية والتركيز على البحث فيها.

المراجع.

1. الطلافيح، ضحى. (2023): مفهوم الحقيقة في الدلالة الفلسفية. علم الفلسفة. متاح على الرابط https://2u.pw/fhXZnY.
2. الأهواني، أحمد فؤاد (1965): أفلاطون. دار المعارف بالقاهرة.
3. أمين، أحمد ومحمود، زكي نجيب . (2006): قصة الفلسفة اليونانية – السلسلة الفلسفية. ط2. مطبعة دار الكتب المصرية. القاهرة.
4. جمعة، زكي. (2020): المعرفة والبحث العلمي. مكتبة المنهل. متاح على الرابط https://platform.almanhal.com/Details/Book/89277.
5. كرم، يوسف (2020): تاريخ الفلسفة الحديثة من القرن الخامس عشر حتى بداية القرن العشرين. مكتبة المنهل. متاح على الرابط https://platform.almanhal.com/Details/Book/118085.
6. كرم، يوسف. (2020): تاريخ الفلسفة اليونانية – مذاهب أساتذة الإنسانية. مكتبة المنهل. ملف pdf. ص 108. متاح على الرابط https://platform.almanhal.com/Details/Book/118086.
7. فرجيس، أندري ويسمان، دونيس. (2020): فكرة الحقيقة. مكتبة المنهل. ملف pdf. ص 130. متاح على الرابط https://platform.almanhal.com/Details/Book/10998.
8. قصيبات، مصطفى محمد . (2018): الشك واليقين عند ديكارت. عدد4. المجلة العلمية لكلية التربية. كلية الآداب. جامعة مصراتة.
9. محمد المقدم، جيهان نور الدين. (2018): الجانب الأخلاقي عند أفلاطون (عرض وتحليل). حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالزقازيق.عدد8. جزء 2. دار الكتب المصرية.