تعتبر الشائعة ظاهرة اجتماعية تنتشر في نسيج معظم المجتمعات بمختلف ثقافاتها، فهي وليدة مجتمعها. كما تعبر عن ظروفه النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
كما تعتبر الشائعة من أخطر الظواهر الاجتماعية الفتاكة التي تفتك بالواقع الاجتماعي بسبب فقدانها للمصداقية. والتي تؤدي لإجراءات خاطئة وتعطل اتخاذ القرار السليم. كل ذلك يؤدي لنتائج سلبية تمتد على نشاطات ومجالات مختلفة في المجتمع.
الحرب النفسية وانتشار الشائعات |
التطور التاريخي للشائعة.
الشائعة موجودة ومؤثرة في أغلب الثقافات والحضارات منذ القدم. لأنها أحاديث يتناولها الناس بصورة يومية. ولهذه الشائعات أهداف وأغراض ووسائل نقل حسب البيئة والمجتمع الذي تسود فيه. والشائعة قديمة قدم التاريخ البشري. فمنذ القدم عرف رجال الدين والسياسة ورجال الحرب الأقوال والأفعال التي تدفع الإنسان وتحركه(1).
وترتبط الشائعة ارتباطاً كبيراً بالحرب النفسية التي أرضى فيها الإنسان نزعته الأنانية في العدوان والسيرة والتوسع على حساب الآخرين. ولا غرابة أن يهتم علماء الدين ورجال السياسة والحرب منذ القدم بسر الأفعال والأقوال التي تدفع الإنسان وتحرك سلوكه(2).
وتعود أول كتابة حول الحرب النفسية والشائعات للقائد العسكري الصيني "صن تزوا" الذي عاش في القرن 15 قبل الميلاد ودعا إلى تطبيق هذا النوع من الحرب بشكل نظامي ومخطط. وأكد أهمية تحطيم إرادة القتال لدى العدو باستخدام عنصر المفاجأة وإشاعة الخيانة العظمى بين القيادات العليا(3).
اقرأ أيضاً وسائل الحرب النفسية وأساليبها.
أمثلة على شائعات مشهورة.
شائعة حريق روما.
ومن أشهر الشائعات التي انتشرت عبر التاريخ أنه عندما أحرق نيرون روما. وانتشر هذا الخبر بين جماهير روما. أطلق نيرون شائعة مضادة يتهم فيها المسيحيين الذين كانوا ممقوتين من الشعب أكثر منه أنهم هم من أحرق روما.
وغضب الجماهير وتحول الرأي العام ضدهم. ويعتبر المغول في القرون الوسطى من أشهر من استثمر الشائعات. حيث ساهمت الشائعات بشكل كبير في انتصاراتهم. لما أحدثته من رعب داخل نفوس المسلمين.
شائعة ذبح الجيش الإسرائيلي للشباب الفلسطيني.
تعتبر الجاسوسية أحد أهم وسائل الحرب النفسية التي اشتهر فيها المغول وأتقنوا استخدامها. مثل الشائعة التي بثتها إسرائيل وكان مفادها أن الجيش الإسرائيلي يذبح الشباب الفلسطيني ويقتلهم إبان الحرب.
فتناقلت الجماهيرهذا الخبر بحسن نية - دون التأكد من صحته - خوفاً على شبابهم فكانت نتيجتها نزوح أكثر من مائة ألف شاب من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية بالأردن.
ولكن فيما بعد مكنت ثورة الاتصال الرقمي الإنسان أن يبث صوته للعالم عبر ألف قناة سمعية ومرئية. وفي الوقت الحالي يعيش العالم ثورة رقمية في الوسائل التقنية لنقل الشائعات من الإنترنت والأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وغيرها(4).
البداية الحقيقية لانتشار الشائعات.
ويعتبر استخدام الشائعات خلال مرحلة الحرب العالمية التي امتدت بين (1914-1918) البداية الحقيقية لاستخدام الشائعات بطريقة علمية منظمة. فمع بداية دخول أمريكا إلى الحرب بجانب الحلفاء وتأسيس قسم الدعاية ضد العدو في بريطانيا وتأسيس جمعية عالمية لنفس الغرض ضمت كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا.
كان هدفها إضعاف الجبهة الداخلية للعدو باستخدام وسائل الحرب النفسية ومنها الشائعات التي تحولت من وسيلة عرضية في الحرب إلى منهج منظم ومخطط حيث استخدمت الشائعات في بث الفرقة والرعب والكراهية والشك بين الناس(5).
تعريف الشائعة.
الشائعة لغةً.
تعرف الشائعة لغةً أنها خبر مكذوب غير موثوق فيه وغير مؤكَّد. ينتشر بين النَّاس(6). والشائعة لغةً مشتقة من الفعل شاع. وهي الخبر الذي ينتشر ولا تحقق منه(7).
والشائعة لغةً كما وردت في لسان العرب لابن منظور: شاع الخبر بين الناس: يشيع شيعاً وشيعاناً ومشاعاً وشيوعة فهو شائع. انتشر وافترق وذاع وظهر وأشاعه هو وأشاع ذكر الشيء: أطاره وأظهره وقولهم: هذا خبر شائع وقد شاع في الناس(8).
الشائعة اصطلاحاً.
وتعددت التعريفات لمفهوم الشائعات ومنها ما عرف الشائعة على أنها رواية تتناقل عن طريق الاتصال الشخصي دون وجود مصدر يؤكد صحتها. إذ إنها اختلاق لخبر أو قضية ليس لهت أساس واقعي. وقد يتم التعبير عن مثل هذه القضية أو الخبر بالكلمة أو من خلال الرسم الكاريكاتوري. وتنتشر الشائعات حين تزداد رغبات الجماهير واهتماماتهم بها (9).
والشائعة هي معلومات شفهية أو كتابية ذات مصدرغير مؤكد. بحيث تظهر لتقوم بتفسير موقف أو حدث غامض بسبب غياب الأخبار الشاملة والدقيقة. ويدور موضوعها حول فكرة أو شخص أو شيء ما. ويعتمد مدى انتشارها على أهمية موضوعها في حياة الناس ووجود وضع غامض يحتاج إلى تفسير(11).
وكشفت دراسة أميركية أن عدداً كبيراً من وسائل الصحافة الإلكترونية تفتقد إلى الدقة وتساعد في نشر الشائعات. مؤكدةً أنه ليس كل ما ينشر على مواقع التواصل يتمتع بالمصداقية.
وقالت الدراسة التي تحمل عنوان (أكاذيب وأكاذيب كريهة ومحتوى ينتشر بسرعة) والتي قام بها معهد (تاو سنتر للصحافة الرقمية) أنه بدلاً من لعب دور مصدر معلومات دقيقة. يساهم عدد كبير من وسائل الصحافة الإلكترونية في التضليل لتحصد المزيدَ من الزيارات لموقعها وتابعت الدراسة أن "عدداً كبيراً من المواقع لا يتحقق من صحة المعلومات التي ينشرها.
وبدلاً من ذلك فإنّه يربطها بوسيلة إعلام أخرى تشير هي نفسها إلى وسائل إعلام أخرى". فالمعلومات المزيفة تثير في غالب الأحيان اهتماماً أكبر من الأخبار الحقيقية. لذلك تنتشر بصورة أوسع وبخاصة على مواقع الفيسبوك والتويتر(13).
خصائص الشائعة. (14)
تختلف الشائعة التي يتم تداولها من خلال الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي عن الشائعة التقليدية من حيث المحتوى والبناء حيث تعبر عنها بالنص المكتوب والصور المرفقة والصوت والفيديو. ولها سمات وخصائص من أبرزها.
- السرعة: حيث أنها لا تستغرق إلا وقتاً قصيراً جداً لتنتقل من مكانها إلى الموقع المعني. ويمكن مشاهدتها من قبل أي شخص يمر على الفيسبوك.
- الانتشار: بما أن الشائعة تعتمد بصورة كبيرة على الانتشار من الإنترنت والشبكات الاجتماعية والهاتف النقال. حيث تعبر الحدود الجغرافية ما يسهل انتشارها بشكل كبير.
- النوع: تتكون من مزيج تفاعلي من الوسائط المتعددة والتي تشمل الصوت والصورة والكلمة وإضافات مميزة تجعل الشائعة أكثر جاذبية وتفاعلاً.
- التكلفة: لا تحتاج غلى أية نفقات لتوزيعها. يكفي نسخها بشكل الكتروني في مكان ما.
- التأثير: تؤدي إلى تأثير أفضل على الجمهور المستهدف نظراً لميزاتها على صفحات الفيسبوك أو الشبكات الاجتماعية مع إمكانية تدعيمها بالمؤثرات التي أفرزتها التقنية والتكنولوجيا. وأيضاً سهولة انطلاقها في المجتمع ومن الصعوبة إيقافها والحد من أثارها.
- التفاعل عن بعد: تتميز الشائعة على الفيسبوك بأنها تملك خاصية التفاعل عن بعد حيث يمكن تناقلها بالصوت والصورة والدردشة والمشاركة دون اعتبار للحدود الجغرافية مع إمكانية التعليق عليها.
- العالمية: وهي الخاصية التي يتميز بها الفيسبوك الذي يتزايد عدد مستخدميه يوماً بعد يوم.
- قابلية التعديل والتغيير بما يتماشى مع الأحداث. وتزيينها بمصدر قد يكون مخفياً أو غير مكشوف.
الخصائص التي تحد من السيطرة على الشائعة. (15)
يصعب السيطرة على الشائعة وتحييدها نظراً للسمات التي تتمتع بها وهناك خصائص عديدة للشائعة. يمكن تلخيصها بما يأتي.
- سهلة التنقل والانتشار حيث تتنقل الشائعة بسرعة فائقة وخاصة مع تطور ونمو وسائل الاتصال وما تقدمه للمستخدم.
- في أغلب الأحيان تكون الشائعات مبهمة وغير واضحة بحيث تجعل الأفراد في نوع من الحيرة.
- تزدهر في وقت لا يكون فيه أخبار أو معلومات مستغلة الغموض حول موضوع ما وقيام الناس بنشر أخبار غير صحيحة لمحاولة فك وتوضيح هذا الغموض.
- يشعر الفرد براحة نفسية بصورة مؤقتة عند نشر هذه الأخبار حيث تقوم الشائعة بالتنفيس عن المشاعر المكبوتة.
- تعبر عن جزء بسيط من الحقيقة وهذا يجعل بعض الناس يتقبلها لمعرفته بهذا الجزء البسيط الذي تعبر عنه الشائعة.
- تكون قابلة للتصديق وغير مشكوك فيها وخصوصاً كلما كانت بعيدة عن النقد والتجريح.
- الشائعات ذات الطابع التشاؤمي تتخذ طرق تسرع في الانتشار أكثر من سرعة انتشار الشائعات ذات الطابع التفاؤلي.
- تتعرض الشائعات أثناء سريانها للتحريف أو التضخم أو الإضافة.
- قد تأخذ الشائعة أشكالاً متعددة كالدعاية والنكت الساخرة.
كما خصص العالمان فاسن ورونسو الخصائص التالية للشائعة: (16)
- الشائعة هي عملية بث المعلومات ونتائج هذه العملية.
- من السهل أن تنطلق الشائعة ومن الصعب أن تتوقف فهي تسير بسرعة النار في الهشيم. وبسرعة الضوء والصوت حالياً عن طريق الأقمار الصناعية.
- قد تكون الشائعة صادقة أي تحوي المعلومات الواردة في الشائعة على نواة الحقيقة ومثال ذلك شائعة حول زيادة رواتب الموظفين أو استقالة شخص أو ارتفاع أسعار مواد استهلاكية.
- قد تكون الشائعة كاذبة أو قد ترتكز على معلومات غير مؤكدة أو عارية عن الصحة.
- قد تكون الشائعة صادقة وكاذبة. مثلما حدث في أمريكا عندما سرّب البيت الأبيض أسماء متوقعة وغير متوقعة لمرشحي المحكمة العليا كوسيلة لجس النبض الجماهيري أو ردود فعل الجماهير حول أسماء القضاة المقبولين أو المرفوضين. فالجانب الصحيح من الشائعة هو أن عدداً من بعض الأسماء المحتملة كان صحيحاً. فيما كان الجانب الغير صحيح هو أن بعض الأسماء كان وارداً ترشيحه.
دور الصحفي في تخفيف الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي. (17)
هناك عدة نقاط يجب على الصحفي التنبه لها للتخفيف من الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي.
- على الصُحفي ألا يُعيد نشر الخبر قبل التأكد من صحّته من قبل مصدرَين موثوقين على الأقل.
- يجب على الصحفي أن يتعامل بعناية مع الأخبار المتعلّقة بالقضايا الدينية والمواضيع الإنسانية حيث يكثر فيها انتشار الشائعات.
- تزداد فرص انتشار الشائعات عندما يتمّ نقلها من محيط وسائل التواصل الاجتماعي إلى الصحافة التقليدية. لذلك من الواجب التحقق من صحّة الخبر.
المراجع.
- هدى عبد الحميد. (2020). الشائعات آفة تنخر المجتمع.. وأخطر من كورونا. ندوة صحيفة الوطن. أتيحت بتاريخ 14/12/2021 على الرابط: https://alwatannews.net/article/902203/Bahrain/
- أحمد نوفل. (1983). الإشاعة. دار الفرقان للنشر. عمان. ص18.
- عبد الرحمن ناصر الهزاع. (1991). الحرب النفسية في عصر النبوة. رسالة ماجستير. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. كلية العلوم الإسلامية. السعودية. ص12.
- محمد منير حجاب (2007). الشائعات وطرق مواجهتها. رسالة ماجستير. جامعة القاهرة. مصر. ص25.
- وهيب الكبيسي وآخرون. (1983). الحرب النفسية وأساليب مواجهتها. مجلة حوليات الإعلام. العدد 3. مطبعة الاقتصاد. بغداد. ص151.
- معجم المعاني الجامع. أتيح بتاريخ 14/12/2021 على الرابط: https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D8%B9%D8%A9/
- المعجم الوسيط. أتيح بتاريخ 14/12/2021 على الرابط: https://www.almougem.com/search.php?query=%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D8%B9%D8%A9
- ابن منظور. (1997). لسان العرب. بيروت. دار صادر. ص76.
- سميرة السيد. (1997). مصطلحات علم الاجتماع. الرياض. مكتبة الشقيري. ص130.
- محمد حجاب. (2003). الموسوعة العلمية. دار الفجر للنشر والتوزيع. القاهرة. ص4.
- محمد جمال الفار. (2010). المعجم الإعلامي. دار أسامة للنشر والتوزيع. عمان. ص24.
- الشائعات في وسائــل التواصـل الاجتماعي وتأثيراتها السلبية. استرجع بتاريخ 9/1/2022 على الرابط: http://www.pmi.pna.ps/pmia/pmia.
- ميس الشيحاوي. (2015). الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم. تحقيق الكتروني أعد لنيل إجازة في الإعلام. جامعة دمشق. ص7.
- نصر الدين مزاري. (2020). المصداقية في الفيسبوك بين الخبر والإشاعة قراءة في آليات انتشار الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي وسبل محاربتها الفيسبوك نموذجاً. مجلة آفاق للعلوم. العدد2. الجزائر. ص 212- 221.
- هاني الكايد. (2009). الإشاعة: المفاهيم والأهداف والآثار. دار الراية للنشر والتوزيع. عمان. ص67.
- ساعد العرابي الحارثي. (2001). الإسلام والشائعة. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض. ص19.
- بكوش إيمان. (2018). الشائعات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. استرجع بتاريخ 9/1/2022 على الرابط: https://ijnet.org/fr/node/3516.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق