فنتمنى أن يكون باستطاعتنا إزالة هذه المعاناة بشكل نهائي من هذا العالم. وإلا نحن أشرار حين نملك القدرة على إزالة الشر ولا نقوم بإزالته.
وفي إحدى الابحاث الأمريكية وعبر سَبر جرى فيها ومن خلال إجابة على التساؤل: " لو أتيح لك أن تسأل الله سؤالاً واحداً تعلم أنه سيجيبك عنه، ماذا سيكون هذا السؤال؟".
وقد كان السؤال الذي حقق أعلى نسبة وهي 17% هو " لماذا هناك ألم ومعاناة في هذا العالم؟".
وفي نفس الموضوع يشرح الفيلسوف الأمريكي رونالد ناش " Ronald Nash" الفكرة من خلال تصريحه فيما معناه. أن " الاعتراضات على الله تعالى والإيمان به تختفي وتظهر... إلا أن معظم الفلاسفة على مر العصور يؤمنون أن أهم تحدّ للإيمان بالله هو مشكلة الشر"(عامري، 2016، ص 19).
التحدي الذي واجه الفلاسفة حول صياغة وجهة نظر فلسفية لموضوع الشر والمعاناة
ما مفهوم الشر؟
يمكن تعريف الشر بأنه " كل ما كان موضوعاً للذم والاستهجان، فترفضه الإرادة الحرة وتسعى من أجل التخلص منه، وهو ثلاثة أنواع: الأول طبيعي كالألم والمرض، والثاني سلوكي أخلاقي كالكذب. والثالث ميتافيزيقي وهو نقصان كل شيء عن كماله"(الرازي، 1979، ص102).
وبمعنى آخر هو كل أمر يختلف عن الصواب فعلاً وقولاً ويناقض الخير والمعروف قولاً وفعلاً. هدفه الإفساد في الظاهر والباطن، وهو السلبية في الأخلاق والتفكير والسلوك، فهو الظلمة المطلقة. وباختصار هو " نقيض الخير". (القهوجي، 2017، ص21).
يمكن القول بأن وجود الشّر هو جزء من التوازن الطبيعي في الحياة. حيث يوجد الخير والشر على حد سواء وهذا التواجد تقتضيه ثنائية الكون. فالله خلق الشر ليعرف الخير على حقيقته (القهوجي، 2017، ص29).
وقد يكون الشر نتيجة لاختيارات البشر وأفعالهم. وقد يكون أيضاً نتيجة للظروف والمواقف التي تحدث في العالم. يمكن للإنسان أن يتغلب على الشر من خلال اتخاذ القرارات الصحيحة والسليمة والقيام بالأفعال الصالحة.
وجهات نظر الفلاسفة حول الشر.
تعتبر مشكلة الشر حجة في الكتابات الفلسفية لكبار الفلاسفة الملاحدة. حيث معظم الفلاسفة الملاحدة يعترفون أن الشر ومشكلته هو سبب لإلحادهم. فكانت شبهة الشر هي المادة الأولى للاعتراض في سجالات المؤلهين والمخالفين.
- الفيلسوف أنتوني فلو " Antony Flew " وهو أحد الملاحدة البريطانيين المشهورين في القرن الماضي. أعلن أن سبب إلحاده هو شبهة الشر (فودة، د – ت، ص8).
- كذلك ما كان مرتبطاً من المناظرات في الشأن العلمي. فكان من أشهر مناصري الداروينية مايكل روز" Micheal Ruse ". الذي صرح أن مشكلة الشر هو أهم شبهة لإنكار وجود الإله. وذلك في مناظرته في عام 2013 للداعية النصراني فزالا رنا " Fazale Rana"، بعنوان " أصل الحياة: التطور أم التصميم". (عامري، 2016، ص 18).
- ومن ذلك الفيلسوف البريطاني الملحد ستيفن لاو "Atephen Law " خلال مناظرته مع الفيلسوف وليام لين كريغ William Lane Craig " " سنة 2011. في موضوع " هل يوجد إله؟ " . حيث اكتفى بإيضاح هذه الشبهة من أجل إنكار وجود الإله.
- ونفس الفعل قام به الفيلسوف الأمريكي مايكل تولي " Michael Tooley" خلال مناظرته لكريغ في سنة 2010 بتصريحه أن السبب الأساسي والمبرر الرئيسي للإلحاد هو حجة الشر. وهو ما تكرر في معظم المناظرات بين فلاسفة الغرب (عامري، 2016، ص 18).
- ومن العرب نذكر الدكتور محمد المزوغي صاحب كتاب " تحقيق ما للإلحاد من مقولة ". والذي اهتم بمشكلة الشر. (فودة، د – ت، ص8).
- تخلى معظم الفلاسفة من النصارى كالفيلسوف النصراني تيموثي ج. كلر "Timothy J. Keller " عن البحث في إيجاد تبرير لشبهة الشر. لذلك قرروا السعي لإقناع المؤمن بدفاع يبعد عن الإيمان تهمة التناقض. بأن الملحد غير قادر على تقديم حجة متماسكة تثبت عدم وجود الإله. من خلال إثبات أن وجود الشرور لا يدل على عدم وجود إله (عامري، 2016، ص 23).
لماذا يجب أن يكون الشر موجود في العالم حولنا. لماذا يسمح الله بوجود الشر، ولماذا يعاني البشر الطيبون؟
هل في الشر خير؟
إن الشر موجود في العالم نتيجة لوجود الحرية الإرادية للإنسان. حيث يمكن للإنسان أن يختار القيام بأفعال سلبية ومؤذية للآخرين. وبالتالي، فإن لوجود الشر دوراً فيمايلي.
- يعطي الفرصة للناس الطيبون للقيام بالخير ومحاربة الشر والظلم، فضلاً عن المساهمة في تعزيز القيم والمبادئ الإنسانية. حيث يتحدى الناس للعمل على تقديم المساعدة للآخرين. مما يؤدي إلى تحسين الوعي الاجتماعي وتطوير المجتمعات.
- يعتبر الشر جزءاً من التوازن الطبيعي في الحياة. حيث لا يمكن أن يكون هناك خير دائماً دون شر. مما يعطي للإنسان فرصة لتقدير الخير والسعي لتحقيقه. ومع ذلك، يجب على الناس أن يحاربوا الأشرار والظلم ويعملوا على تحقيق العدالة والسلام في العالم، وذلك من خلال التعاون والتضامن والعمل الجماعي.
تفسير طبيعة الشر.
توجد عدة نظريات منطقية تفسر طبيعة الشر بوصفه حالة سيئة، ومنها نظرية الوضع القياسي. والتي فيها يعبر وليم روي " Willism Row" . عن نظرية العلاقة بين عمليتي السماح الإلهي بوقوع حالات الشر والأغراض الإلهية (شندي محمد، 2011، ص73 ).
فيذهب روي للقول بأنه:" يمكن للموجود القادر الخير الكامل أن يمنع وقوع أية حالة من الشر متى يريده. لأنه عندما لا يستطيع فعل ذلك فإنه يفقد بعض الخير العظيم. أو يسمح بأن يكون بعض الشر مساوياً للسيئ أو الأسوأ " (Almeida,2008,p56).
اقرأ أيضاً المدرسة الواقعية الطبيعية – مبادئ الفلسفة الواقعية والقضايا الاجتماعية.
أهمية دراسة موضوع الشر والمعاناة لطلاب الفلسفة.
من المهم أن يدرس طلاب الفلسفة موضوع الشر والمعاناة، باعتباره من المواضيع المهمة في فلسفة الدين وذلك لأسباب متعددة منها:
- يمكن لدراسة الشر والمعاناة أن تساعد في فهم طبيعة الإنسان وكيفية تفاعله مع العالم والآخرين. وتلهم الطلاب للتعامل بشكل أفضل مع التحديات والصعوبات التي قد تواجههم في حياتهم. يمكنهم استخدام هذا الفهم لتعزيز قدراتهم على اتخاذ القرارات والتصدي للظروف الصعبة بطريقة مواكبة للقيم الأخلاقية.
- يسهم دراسة موضوع الشر والمعاناة في تنمية التفكير الأخلاقي لدى الطلاب. يتيح لهم فهم تأثير القوى الشريرة وكيفية التعامل مع التحديات الأخلاقية في حياتهم اليومية.
- يساهم في تحسين الوضع الاجتماعي والإنساني لدى الطلاب، بالإضافة لمساعدتهم في تطبيق الفلسفة في حياتهم اليومية وتحديد أفضل الخيارات والمبادئ الأخلاقية التي يجب اتباعها.
- يعتبر موضوع الشر والمعاناة جزءًا أساسيًا من الديانات، حيث يتعامل مع السؤال الأساسي حول كيفية وجود الخير والشر في العالم. فهم هذه الجوانب يساعد الطلاب على الفهم العميق لتعاليم دياناتهم ومفاهيم الله والإنسان.
- يعمل موضوع الشر والمعاناة على إلقاء الضوء على التناقضات الموجودة في الديانات، وكيفية التعامل معها. يساعد هذا الفهم في بناء رؤية أكثر نضجًا حول الديانة والإيمان.
- تنمية مهارات التعاطف والتسامح لدى الطلاب وتحفيزهم على التعاون والتضامن لتحقيق العدالة والسلام في العالم.
- يتطلب موضوع الشر والمعاناة التفكير النقدي والتحليلي، وهو مهارة مهمة يحتاجها الطلاب في حياتهم الأكاديمية والعملية.
- يساعد تفكير الطلاب في مفهوم الشرور والمعاناة على التأمل في معنى الحياة والغاية من وجود الإنسان في هذا العالم. يمكن لهذا التأمل أن يوجههم نحو تحديد الأهداف الشخصية والمساهمة الإيجابية في المجتمع.
في الختام: يمكن التوصل إلى إن الحل المناسب والمقنع لمن يغرق بين أوجاع الفقد وغيرها من الآلام التي تكسر القلوب. هو في يد حانية أو قلب يشارك المصاب حزنه ويرفع من همته. فالحل لا يكون بجواب فلسفي ينكر وجود الله. فنحن لا نشارك هؤلاء الفلاسفة في آرائهم. فعقيدتنا كمسلمين هي نبع أفكارنا وعواطفنا. هذه العقيدة هي كنز دفين يجده المسلم عن الفرح والحزن، في اليسر والعسر. هي زاده لإكمال مسيره في الحياة، وهي النجاح في امتحان هذه الحياة.
المراجع.
- الرازي (1979). معجم مقاييس اللغة. 5/236. ص102.
- القهوجي، بشار محمد رضا (2017). فلسفة وجود الشر بين واحة الإيمان ومعضلة الإلحاد. مؤتمر الدراسات الإسلامية المعاصرة والقضايا المستجدة-ماليزيا. كلية الامارات للتطوير التربوي. الامارات العربية المتحدة. ص21-29.
- شندي محمد، صبري عبد الله (2011). ميتافيزيقيا الخير والشر في فلسفة ريتشارد سوينبرن. مجلة كلية الآداب. جامعة الفيوم. ص74.
- عامري، سامي(2016). مشكلة الشر ووجود الله – الرد على أبرز شبهات الملاحدة. ط2. تكوين للأبحاث والدراسات. السعودية. ص18.
- فودة، سعيد( د – ت). مشكلة الشر وأثرها في الاعتقاد بوجود الله. الفكر والثقافة العامة. ملف PDF. ص8.
- Ameida,Micheal J .(2008).The Metaphysics of perfect Being, Op.Cit.,p56 ph1.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق